فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{واللذان} الكلام عليه كالكلام على اللاتي إلاَّ أن في كلام أبي البقاء ما يوهمُ جواز الاشتغال فيه فإنه قال: الكلام في اللذان كالكلام في اللاتي إلاَّ أنَّ مَنْ أجاز النَّصب يَصِحُّ أن يقدِّرَ فعلًا من جنس المذكور، تقديره: آذُوا اللذين ولا يجوز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها هاهنا، ولو عَرِيَ من الضَّمير، لأنَّ الفاء هنا في حكم الفاء الواقعة في جواب الشرط، وتلك يقطع ما بعدها عما قبلها، فقوله: من أجاز النصب يحتملُ من أجازه النَّصب المتقدِّم في اللاتي بإضمار فعلٍ لا على سبيل الاشتغال كما قدَّره هو بنحو اقصدوا ويحتمل من أجاز النَّصب على الاشتغال من حيث الجملة، إلاَّ ان هذا بعيدٌ؛ لأنَّ الآيتين من وادٍ واحدٍ، فلا يُظَنُّ به أنَّهُ يمنع في إحداهما ويجيزُ في الأخرى، ولا ينفع كون الآية فيها الفعل الذي يفسّر متعدّ بحرف جر والفعلُ الَّذي في هذه الآية مُتَعَدٍّ بنفسه، فيكون أقوى، إذ لا أثر لذلك في باب الاشتغال. والضمير المنصوب في يأتيانهما للفاحشة.
وقرأ عبد الله يأتين بالفاحشة، أي: يَجئْنَ، ومعنى قراءة الجمهور {يَغْشَيْنَها ويخالطنها}.
وقرأ الجمهور {واللذان} بتخفيف النُّون.
وقرأ ابن كثير {واللذانِّ} هنا {واللذينِّ} في السجدة [آية 29] بتشديد النون، ووجهها جعل إحدى النونين عوضًا من الباء المحذوفة الَّتي كان ينبغي أن تبقى، وذلك أن الَّذي مثل القاضي، والقاضي تثبت ياؤه في التثنية فكان حقّ ياء الَّذي والَّتي أن تثبت في التثنية، ولكنهم حَذَفُوها، إمَّا لأنَّ هذه تثنيةٌ على غَيْرِ القياس؛ لأنَّ المبهماتِ لا تُثَنَّى حقيقةً، إذ لا يثنى ما يُنَكَّر، والمبهمات لا تنكر، فجعلوا الحذف منبهةً على هذا، وإمَّا لطولِ الكلاَمِ بِالصِّلَةِ.
وزعم ابنُ عصفور أنَّ تشديد النُّون لا يجوزُ إلاَّ مع الألفِ كهذه الآية، ولا يجوز مع الياء في الجرّ والنّصب.
وقراءة ابن كثير في {حم} السجدة {أَرِنَا اللذين أَضَلاَّنَا} [فصلت: 29] حجةٌ عليه.
قال ابن مقسم: إنَّما شدّد ابن كثير هذه النّونات لأمرين:
أحدهما: الفرق بين تثنية الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة، والآخر: أن الّذي وهذا مبنيان على حرفٍ واحدٍ وهو الذّال، فأرادوا تقوية كل واحد منهما، بأن زادوا على نونها نونًا أخرى من جنسها.
وقيل: سبب التّشديد فيها أنّ النون فيها ليست نون التّثنية فأرادوا أن يفرِّقوا بينها وبين نون التثنية.
وقيل: زادوا النُّون تأكيدًا كما زادوا اللام.
وقرئ: {اللَّذَأَنِّ} بهمزة وتشديد النون، وَوَجْهُهَا أنه لَمَّا شَدَّدَ النون الْتَقَى ساكنان، فَفَرَّ من ذلك بإبدال الألف همزةً، وقد تقدَّم تحقيق ذلك في الفاتحة [الآية: 7].
وقرأ عبد الله: {والذين يفعلونه منكم} وهذه قراءة مشكلة؛ لأنَّهَا بصيغة الجمع، وبعدخا ضمير تثنية وَقَدْ يُتَكَلَّفُ تخريجٌ لها، وهو أنَّ الذين لَمَّا كان شاملًا لصنفي الذّكورِ والإناثِ عَادَ الضّميرُ عليه مثنى اعتبارًا بما انْدَرَجَ تحته، وهذا كما عاج ضَمِيرُ الجمع على المُثَنَّى الشّامل لأفرادٍ كثيرة مندرجةٍ تحْتَه، كقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9]، و{هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: 19] كذا قاله أبو حيان.
قال شهاب الدِّينِ: وفيه نظر، فإنَّ الفَرْقَ ثابتٌ، وذلك لأن الطَّائفة اسم لجماعة، وكذلك خَصْم؛ لأنَّهُ في الأصل مصدرٌ فأطلِقَ على الجمع.
وأصل فآذوهما فآذِيُوهما، فاستثقلت الضَّمَّةُ على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان، فَحُذِفَت الياء الّتي هي لام الكلمة وضُمَّ ما قبل الواوِ لِتَصِحَّ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآَذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا (16)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {واللذان يأتيانها منكم...} الآية. قال: كان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال. فأنزل الله بعد هذه الآية {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] وإن كانا غير محصنين رجما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد {واللذان يأتيانها منكم} قال: الرجلان الفاعلان.
وأخرج آدم والبيهقي في سننه عن مجاهد في قوله: {فآذوهما} يعني سبا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {واللذان} يعني البكرين اللذين لم يحصنا {يأتيانها} يعني الفاحشة وهي الزنا {منكم} يعني من المسلمين {فآذوهما} يعني باللسان، بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا، وليس عليهما حبس لأنهما بكران ولكن يعيران ليتوبا ويندما {فإن تابا} يعني من الفاحشة {وأصلحا} يعني العمل {فأعرضوا عنهما} يعني لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة {إن الله كان توابا رحيما} فكان هذا يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام، ثم نزل حد الزاني فصار الحبس والأذى منسوخا، نسخته الآية التي في السورة التي يذكر فيها النور {الزانية والزاني...} [النور: 2].
وأخرج ابن جرير عن عطاء {واللذان يأتيانها منكم} قال: الرجل والمرأة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: ثم ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال: {واللذان يأتيانها منكم...} الآية. فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما} قال: عن تعييرهما. اهـ.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ختم ذلك بذكر توبة الزناة، وكان الحامل على الزنى- على ما يقتضيه الطبع البشري- شدة الشبق وقلة النظر في العواقب، وكان ذلك إنما هو في الشباب؛ وصل بذلك قوله تعالى معرفًا بوقت التوبة وشرطها مرغبًا في تعجيلها مرهبًا من تأخيرها: {إنما التوبة} وهي رجوع العبد عن المعصية اعتذارًا إلى الله تعالى، والمراد هنا قبولها، سماه باسمها لأنها بدون القبول لا نفع لها، فكأنه لا حقيقة لها.
ولما شبه قبوله لها بالواجب من حيث إنه بها، لأنه لا يبدل القول لديه؛ عبر بحرف الاستعلاء المؤذن بالوجوب حثًا عليها وترغيبًا فيها فقال: {على الله} أي الجامع بصفات الكمال {للذين يعملون السوء} أيَّ سوء كان من فسق أو كفر، وقال: {بجهالة} إشارة إلى شدة قبح العصيان، لاسيما الزنى من المشايخ، لإشعار السياق ترهيبًا بأن الأمر فيهم ليس كذلك- كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار بإسناد جيد عن سلمان رضي الله عنه: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكذاب، والعائل المزهو» وهو في مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» وهو عن كثير من الصحابة من طرق كثيرة، وذلك لأن حضور الموت بالقوة القريبة من الفعل وإضعاف القوى الموهنة لداعية الشهوة قريب من حضوره بالفعل، وذلك ينبغي أن يكون مذهبًا لداعية الجهل، ماحقًا لعرامة الشباب، سواء قلنا: إن المراد بالجهالة ضد الحلم، أو ضد العلم؛ قال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي: قال أبو عبد الله- يعني القزاز: والجاهلية الجهلاء اسم وقع على أهل الشرك يكون مأخوذًا من الجهل الذي هو ضد العلم والذي هو ضد الحلم قال وأصل الجهل من قولهم: استجهلت الريح الغصن- إذا حركته، فكأن الجهل إنما هو حركة تخرج عن الحق والعلم- انتهى.
فالمعنى حينئذ: يعملون السوء ملتبسين بسفه أو بحركة وخفة أخرجتهم عن الحق والعلم فكانوا كأنهم لا يعلمون- بعملهم عمل أهل الجاهلية الذين لا يعلمون، وزاد في التنفير من مواقعة السوء والتحذير بقوله: {ثم يتوبون} أي يجددون التوبة.
ولما كان المراد الترغيب فيها ولو قصر زمنها بمعاودة الذنب أثبت الجار فقال: {من} أي من بعض زمان {قريب} أي من زمن المعصية وهم في فسحة من الأجل، وذلك كناية عن عدم الإصرار إلى الموت، ولعله عبر بثم إشارة إلى بُعد التوبة ولاسيما مع القرب ممن واقع المعصية، لأن الغالب أن الإنسان إذا ارتبك في حبائلها لا يخلص إلا بعد عسر، ولذلك أشار إلى تعظيمهم بأداة البعد في قوله- مسببًا عن توبتهم واعدًا أنه فاعل ما أوجبه على نفس لا محالة من غير خلف وإن كان لا يجب عليه شيء، ولا يقبح منه شيء: {فأولئك} أي العظيمو الرتبة الصادقو الإيمان {يتوب الله} أي الذي له جميع صفات الكمال {عليهم} أي يردهم إلى ما كانوا فيه عندهم من مكانة القرب قبل مواقعة الذنب {وكان الله} أي المحيط علمًا وقدرة {عليمًا} أي بالصادقين في التوبة والكاذبين وبنياتهم، فهو يعاملهم بحسب ما يقتضيه حالهم {حكيمًا} فهو يضع الأشياء في أحكم محل لها، فمهما فعله لم يمكن نقضه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن المرتكبين للفاحشة إذا تابا وأصلحا زال الأذى عنهما، وأخبر على الإطلاق أيضا أنه تواب رحيم، ذكر وقت التوبة وشرطها، ورغبهم في تعجيلها لئلا يأتيهم الموت وهم مصرون فلا تنفعهم التوبة. اهـ.
قال الفخر:
احتج القاضي على أنه يجب على الله عقلا قبول التوبة بهذه الآية من وجهين: الأول: أن كلمة على للوجوب فقوله: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ} يدل على أنه يجب على الله عقلا قبولها.
الثاني: لو حملنا قوله: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} على مجرد القبول لم يبق بينه وبين قوله: {فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ} فرق لأن هذا أيضا إخبار عن الوقوع، أما إذا حملنا ذلك على وجوب القبول وهذا على الوقوع يظهر الفرق بين الآيتين ولا يلزم التكرار.
واعلم أن القول بالوجوب على الله باطل، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن لازمة الوجوب استحقاق الذم عند الترك، فهذه اللازمة اما أن تكون ممتنعة الثبوت في حق الله تعالى، أو غير ممتنعة في حقه، والأول باطل، لأن ترك ذلك الواجب لما كان مستلزما لهذا الذم، وهذا الذم محال الثبوت في حق الله تعالى، وجب أن يكون ذلك الترك ممتنع الثبوت في حق الله، وإذا كان الترك ممتنع الثبوت عقلا كان الفعل واجب الثبوت، فحينئذ يكون الله تعالى موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار وذلك باطل، وأما ان كان استحقاق الذم غير ممتنع الحصول في حق الله تعالى، فكل ما كان ممكنا لا يلزم من فرض وقوعه محال، فيلزم جواز أن يكون الاله مع كونه إلها يكون موصوفا باستحقاق الذم وذلك محال لا يقوله عاقل، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن القول بالوجوب على الله تعالى باطل.
الحجة الثانية: أن قادرية العبد بالنسبة إلى فعل التوبة وتركها إما أن يكون على السوية، أولا يكون على السوية، فإن كان على السوية لم يترجح فعل التوبة على تركها إلا لمرجح، ثم ذلك المرجح إن حدث لا عن محدث لزم نفي الصانع، وإن حدث عن العبد عاد التقسيم وإن حدث عن الله فحينئذ العبد إنما أقدم على التوبة بمعونة الله وتقويته، فتكون تلك التوبة إنعاما من الله تعالى على عبده، وإنعام المولى على عبده لا يوجب عليه أن ينعم عليه مرة أخرى، فثبت أن صدور التوبة عن العبد لا يوجب على الله القبول، وأما إن كانت قادرية العبد لا تصلح للترك والفعل فحينئذ يكون الجبر ألزم، وإذا كان كذلك كان القول بالوجوب أظهر بطلانا وفسادا.